السبت، 23 مارس 2013

خطبه الجمعه مكتوبه بعنوان إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا

إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا
28/2/1431هـ
الحمد لله المتفرد بالعظمة والجلال، المتفضل على خلقه بجزيل النوال. أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وهو الكبير المتعال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى الحق، والمنقذ بإذن ربه من الضلال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحبٍ وآلٍ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل. أما بعد: فيا أيها المسلمون أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته حيث يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر:18) فاتقوا الله ـ عباد الله ـ واعبدوه حق عبادته، وأخلصوا له، وتقربوا إليه خوفاً وطمعاً وأحسنوا ، إن رحمة الله قريب من المحسنين . أيها المسلمون، العبادات والقربات تتفاضل عند الله بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة والخشية والخشوع والإنابة. والعابد حقاً والمتقرب لربه صدقاً، هو الذي تحقق في قلبه صدق الإمتثال للأوامر على وجهها، وابتعد عن المخالفات بجميع وجوهها، يجمع بين الإخلاص والحب والخوف وحسن الطاعة. ومن أجل تبين هذا التفاضل ، هذه وقفة مع أعظم فرائض الإسلام بعد الشهادتين؛ مع الصلاة عماد الدين. أيها المسلمون : صفات المؤمنين المفلحين مبدوءة بها، واستحقاقية ميراث الفردوس مختتمة بالمحافظة عليها: قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـوٰةِ فَـٰعِلُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَاء ذٰلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ لاِمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ [المؤمنون:1-11]. وفي استعراض آخر من كتاب الله للمكرمين من أهل الجنة تأتي المداومة على الصلاة في أول الصفات، وتأتي المحافظة عليها في خاتمتها إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً إِلاَّ ٱلْمُصَلّينَ ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ إلى قوله: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَـئِكَ فِى جَنَّـٰتٍ مُّكْرَمُونَ 
[أيها المسلمون ، إنه ثناء على هؤلاء المصلين ما بعده ثناء، وإغراء ما بعده إغراء، وحق لهم ذلك الثناء فتلك الصلاة التي أثنى الله بها عليهم ذات صفات خاصة، صلاة تامة كاملة، صلاة خاشعة في هيئة دائمة، ومحافظة شاملة.لا يعتريها النقص ولا يحل بها الخلل ، علموا أن الوسواس في الصلاة نقص ، وأن السهو عنها تفريط ، وأن التكاسل عن أدائها مع الجماعة ضياع ، وتذكروا قول الله تعالى: فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ فاستيقظوا ، وقرؤوا في صفات المنافقين: قوله تعالى وَإِذَا قَامُواْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَاءونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً وقوله تعالى [ ... وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ.. فاتقَوا وأحسنوا ، فكان جزاؤهم كما أخبر تعالى أنهم يرثون الفردوس هم فيها خالدون ، وأنهم في الجنات منعمون ومكرمون
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلوات الخمس مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر فالصلوات الخمس إنما يكفر الله بها ما وقع بينها من الذنوب الصغائر أما الذنوب الكبائر وهي ما رتب عليه حد في الدنيا أولعن ووعيد في الآخرة كأكل الربا ، والكذب ، والغش في المعاملات ، وشهادة الزور ،وعقوق الوالدين ،ونحو ذلك ، فإنها لا تكفر إلا بالتوبة منها .
فلا غنى لك أيها المسلم عن هذه الصلوات الخمس ولا يستقيم لك دين إلا بها ، بل لاتعتبر مسلما إلا بإقامتها ، قال تعالى { فإن هم تابوا وأقاموا الصلاة وآتو الزكاة فإخوانكم في الدين } فالذي لا يقيم الصلاة ليس أخا لنا في الدين لأنه ليس من المسلمين ، وقد قال صلى الله عليه وسلم [ بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ] وإذا سئل أصحاب النار { ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين } أي ان الذي سبب لنا دخول النار هو ترك الصلاة 
إذاً : فالصلاة يترتب عليها سعادة المرأ في الدنيا والآخرة ، فهي نور المؤمنين في الدنيا والآخرة تشرق بها قلوبهم وتستنير بها بصائرهم فتنهاهم عن الفحشاء والمنكر ولهذا كانت قرة عيون المتقين . 
أخرج الطبراني من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا [ إذا حافظ العبد على صلاته فأقام وضوءها وركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت له حفظك الله كما حفظتني ، وصعد بها إلى السماء ولها نور تنتهي إلى الله عز وجل فتشفع لصاحبها، وهي في الآخرة نور المؤمنين في ظلمات يوم القيامة على الصراط فإن الأنوار تقسم لهم على حسب أعمالهم .
وفي المسند وصحيح ابن حبان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة فقال[ من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة .
قال الإمام أحمد رحمه الله ( إنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة ، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة ، فاعرف نفسك يا عبد الله واحذر أن تلقى الله عز وجل ولا قدر للإسلام عندك ، فإن قدر الإسلام عندك كقدر الصلاة في قلبك.
عباد الله : اعلموا أن الذي فرض الصلاة وجعلها عمود الإسلام قد أوجب لها الجماعة ، وامر ببناء المساجد لإقامتها فيها ، وشرع المنادات لحضورها ، فلا يسع مسلما يؤمن بالله واليوم الآخر أن يترك الصلاة مع الجماعة في المسجد من غير عذر شرعي .
وقد انقسم الناس تجاه هذه العبادة الجليلة إلى أقسام 
القسم الأول : قوم حافظوا عليها وحرصوا على أدائها مع جماعة المسلمين في المساجد لم تشغلهم الأعمال ولا ألهاهم المال ولا العيال ، تراهم إذا سمعوا النداء انسابوا إلى بيوت الله مشاة أوركبانا ، هذا من بيته ، وهذا من ورشته ، وهذا من دكانه ، وهذا من مطعمه ، وهذا من ملعبه ليقفوا جميعا بين يدي الله تعالى ، يسألونه مغفرة ذنوبهم و قضاء حوائجهم ، فهؤلاء هم الذين أثنى عليهم الله تعالى بقوله ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ، ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب ) 
القسم الثاني :قوم يؤدون الصلاة ولكن على راحتهم وكيفما صلح لهم وتناسوا أن الله تعالى فرض الصلاة في أوقات محدودة وفرضها على الرجال جماعة وإن مسألة الصلاة جماعة في بيوت الله مسألة لا يناقش فيها إلا جاهل أو مكابر، وقد أمر الله بها، وأمربها رسوله، وأفتى علماء الإسلام على مر العصور، قال سبحانه: وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ [البقرة:43].
ولم يعذر المسلمون في إقامتها جماعة في أحلك الظروف وأحرج الساعات وهم في وجه العدو يقاتلون ويجالدون فكيف يصنع وماذا يقول من هو آمن في بيته يهنأ بطيب العيش ورغد الحياة، يستثقل خطوات يخطوها إلى المسجد في دقائق معدودة ليبقى حبيس الهوى والكسل والنوم والراحة ، وخاصة صلاة الفجر التي بينها وبين الدوام ساعة فيؤثر النوم حتى يقرب وقت الدوام ثم يقوم يصلي حينئذ القسم الثالث : قوم اتخذوا الصلاة لعبا ومهزلة فهم يصلون متى ما أرادوا ويؤخرونها باختيارهم فإذا كانوا نائمين أدوها متى استيقظوا، وإذا كانوا مشغولين صلوها عند الفراغ من شغلهم، وربما قام بعد طلوع الشمس وقد قرب وقت الدوام فانطلق إلى دوامه وترك الصلاة ، فالصلاة عند هؤلاء تؤجل لأي سبب، وتؤخر عند أي عارض، فتؤخر لقراءة صحيفة أو مجلة، وتؤجل لأحاديث ودية وملاطفة ضيف أو زائر، لا بأس أن تؤخر، فهو مشغول مع صديقه يتناول معه رشفات الشاي والقهوة، لا بأس أن تؤجل فالمباراة على أشدها، ووضع الفريق المفضل محرج يستدعي المتابعة، أو بدأ وقت المغرب ولم ينتهي الشوط بعد . ولا بأس أن يؤخرها إلى أن ينتهي الفلم الذي احتدمت أفكاره وتشعبت أحداثه ، ولا بأس أن يؤخرها حتى ينتهي من تخزينته لألا يخرب كيفه ونحو ذلك .فهؤلاء في خطر عظيم يقول الله تعالى ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون )
القسم الرابع : قوم لا يصلون البتة تجاهلوا أمر الصلاة ونبذوها وراءهم ظهرياً، تنكبوا جانب الطريق فأضحت حياتهم بلا روح ووجودهم كالعدم، فهم لا يعرفون الصلاة، ولا يقيمون لها وزنـاً، مضيعين لها، فلا تُصلى بالكلية، أو تُصلى في وقـت الأزمات والشدائد، أو في مواضع الإحراج وأوقات المناسبات، أو أمام الناس وفي الاجتماعات، فإلى هؤلاء نقول: إن ترك الصلاة كفرٌ ورِدّة، وجحود وخروج عن الملة، هذا هو الحكم الفصل فيهم وإن كان قاسياً مراً، فهو حكم الله وحكم رسوله يقول الله تعالى (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدّينِ [التوبة:11]. وروى بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) وفي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) 
فاستقبلوا معاشر المسلمين أمر ربكم بالسمع والطاعة، وحققوا سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم في المحافظة على الصلاة جماعة، سواء كنتم في الأوطان مقيمين، أو لابتغاء ربكم في الأرض ضاربين، حتى ولو كنتم مواجهين للعدو في صف القتال، أو في المرض الذي لا يشق معه السعي لصالح الأعمال، تكونوا لربكم تعالى متقين، ولنبيكم صلى الله عليه وسلم مطيعين " ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ". 
فإن في المحافظة على الجماعة رضى الرحمن، وإغاظة الشيطان، والبراءة من النفاق، والأمن من أهوال يوم التلاق، والأخذ بأسباب علو المقام، وصحبة الرفقة الكرام " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ". فلما تشابهت في الدنيا أعمالهم " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار " أكرم الله في الآخرة جزاءهم " ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب "، وتابع عليهم البشارات " يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم ". 
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم. 

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في سبيل الله حق جهاده حتى أتاه اليقين فصلى الله عليه على آله وصحبه أجمعين .
أما بعد : فيا أيها المسلمون أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته فإن في تقواه والخوف منه تعالى سعادة المرء في الدنيا والآخرة .
واعلموا أن من تكريم هذا الدين للمسلم هو فرض صلاة الجماعة في هذه المساجد التي جعلها الله تعالى المقياس الذي يقاس به صحة إيمان العبد فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم ( إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان ) قال الله عز وجل ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ) رواه الترمذي وقال الحاكم صحيح الإسناد 
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ما توطن رجل المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله تعالى إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم ) رواه ابن أبي شيبة والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين . ومعنى تبشبش الله إليه : أي قابله بالرضى والرحمة والفرح . 
وقال صلى الله عليه وسلم ( ألا أدلكم على ما يمحو به الله الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال : إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط.
وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال( ورجل قلبه معلق بالمساجد ) أي أن الذي قلبه معلق بالمسجد ، لا يؤدي الصلاة إلا فيه مع جماعة المسلمين ، ويجلس ينتظر الصلاة بعد الصلاة يسبح ويحمد ويهلل ويكبر ويقرأ القرآن 
عباد الله : إن من الأمور التي تحز في نفس المؤمن هو أن كثيرا من المصلين الذين هداهم الله لأداءالصلاة ، يجلسون في بيوتهم أو بجانب المسجد حتى يسمعوا الإقامة ثم بعد ذلك ينطلقون مسرعين ولم يعلم هؤلاء أنهم خسروا في وقوفهم هذا خسارة عظيمة ، إذ أن الرجل في المسجد يعتبر في صلاة مادام ينتظر الصلاة ، وهذا الفضل لا يحصل لمن هو منتظر خارج المسجد، إضافة إلى ما يحوزه المنتظر في المسجد من التسبيح والتحميد والتهليل وقراءة القرآن والاستغفار وغير ذلك.
فلماذا يا أيها المسلمون وقد هداكم الله لطاعته ، لماذا لا تبادروا إليها حتى تفوزوا بالأجر العظيم الذي وضعه الله للمتسابقين في الخيرات حيث يقول تعالى { ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير} البقرة 148
وإني لآهيب بإخواني وأبنائي الشباب أهل الرياضة أن يبادروا إلى إجابة داعي الله فلا يجوز بحال من الأحوال ممارسة أي عمل والصلاة قائمة حتى ولوكان من الأعمال المهمة فكيف إذا كانت رياضة ولهو 
فاتقوا الله ياعباد الله واطلبوا مواطن الخير والأجر والفضيلة تفوزوا في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، من أتى الله بعمل صالح مخلص ، من أتى الله وقد سابق في الخيرات وعمل الصالحات فكان رصيده عاليا من الحسنات فيرضىالله عنه ويدخله في واسع رحمته.
ثم اعلموا رحمكم الله تعالى أن ربكم المولى جل وعلا قد أمركم بالصلاة والسلام على نبي الرحمة والهدى فقال جل من قائل { إن الله وملائكته يصلون على النبي أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } وقد قال صلى الله عليه وسلم (من صل علي صلاة واحدة صل الله عليه بها عشرا) اللهم صل وسلم وبارك على خير خلقك وخاتم رسلك سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين وتابعيهم وتابع تابيعهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الرحمين.


أبو حذيفة
هادي محسن مدخلي
إمام وخطيب جامع الشيخ حافظ الحكمي بصامطة

خطبه الجمعه مكتوبه بعنوان التوبه تمحو ما قبلها





الْحَمْدُ للهِ الغَفُورِ التَّوَّابِ، يَقْبَلُ التَّوبَةَ مِمَّنْ تَابَ إِلَيْهِ وَأَنَابَ، أَحْمَدُهُ تَعَالَى بِمَا هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأَستَغْفِرُهُ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، دَعَا عِبَادَهُ إِلَى الإِنَابَةِ إِلَيْهِ وَالمَتَابِ، وَوَعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ رِضْوَانَهُ وَحُسْنَ مَآبٍ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، كَانَ يَتُوبُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَيَستَغْفِرُهُ بِلا عَدٍّ وَلا حِسَابٍ، صلى الله عليه و سلم وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَنِ اتَّبَعَهُ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَدَعَا بِدَعْوَتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:
اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَتُوبُوا إِلَيْهِ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَابتِلاءً مِنْهُ سُبْحَانَهُ لِلإِنْسَانِ جَعَلَهُ غَيْرَ كَامِلٍ وَلا مَعْصُومٍ، فَالكَمَالُ للهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، وَلِذَا فَقَدْ يُخْطِئُ وَيَزِلُّ ابْنُ آدَمَ، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ ص : ((كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)) رواه الترمذي و احمد في مسنده، وَالمُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الَّذِي لا يَستَمِرُّ عَلَى الخَطَأِ بَعْدَ الوُقُوعِ فِيهِ، فَلِذَا يُبَادِرُ إِلَى طَلَبِ العَفْوِ مِنْ رَبِّهِ جَلَّ جَلالُهُ، وَالتَّوبَةُ - يَا عِبَادَ اللهِ - وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ لِقَولِ اللهِ تَعَالَى: ] وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تفلحون[()، وَوُجُوبُهَا لِثَلاثَةِ أُمُورٍِ؛ فَالأَمْرُ الأَوَّلُ: لأَجْـلِ اتِّقَاءِ عُقُوبَةِ اللهِ تَعَالَى، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: ]ومن يعص الله و رسولهُ و يتعد حدودهُ يدخله ناراً خالداً فيها ولهُ عذابٌ مُهِين[()، وَالأَمْرُ الثَّانِي: لأَجْـلِ قَبُولِ العَمَلِ؛ فَإِنَّ الذَّنْبَ مَانِعٌ مِنْ قَبُولِ الأَعْمَالِ والدعاء، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ]إنما يتقبل اللهُ من المتقين[()، و عن ابي هريره رضي الله عنه قال قال رسول الله ص يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا و إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى ( يأيها الرسل كلوا من الطيبات و اعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم) و قال تعالى ( ياأيها الذين آمنوا طيبات ما رزقناكم) قال و ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب و مطعمه حرام و مشربه حرام و ملبسه حرام و غذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك رواه احمد و الدارامي  و الترمذي و قال حديث حسن وَالأَمْرُ الثَّالِثُ: مِنْ أَجْـلِ التَّوفِيقِ لإِتْيَانِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَإِنَّ الذُّنُوبَ تَحُولُ بَيْنَ العَبْدِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، فَيُفَوِّتُ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِ ذَنْبِهِ كَثِيرًا مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
لَوْ نَظَرَ المُخْطِئُ إِلَى مَقَامِ مَنْ أَخْطَأَ فِي حَقِّهِ ((نعني الله تبارك و تعالى)) مَا استَحقَرَ ذَنْبَهُ و استصغرها، وَمَا هَانَتْ عَلَيْهِ مَعْصِيَتُهُ، وَلَوْ وجدَ فِي قَلْبِهِ الخَوْفُ مِنَ اللهِ تَعَالَى مَا تَجَرَّأَ عَلَى التَّبَجُّحِ بِمَعْصِيَةٍ، وَلَكِنَّهَا النَّفْسُ البَشَرِيَّةُ الأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ، وَمَا أَحَسَنَ مَا قِيلَ: ((لا تَنْظُرْ في المَعْصِيَةِ وَلَكِنِ انْظُرْ في عِظَمِ مَنْ عَصَيْتَ))، وَاستِشْعَارُ عِظَمِ مَقَامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُوجِبُ عَلَى التَّائِبِ أَلاَّ يُسَوِّفَ تَوْبَتَهُ وَإِنَابَتَهُ، فَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: ]والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم و من يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون[()، وَتَأْجِيلُ التَّوبَةِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، إِذْ يُؤَمِّـلُ المُخْطِئَ بِسَعَةِ الزَّمَانِ، وَأَنَّ الوَقْتَ مَا زَالَ أَمَامَهُ، وَرُبَّمَا مَلأَ قَلْبَهُ بِاليَأْسِ وَالإِحْبَاطِ، وَأَنَّهُ مِمَّنْ لا يُتَقَبَّـلُ مِنْهُ عَمَلٌ، وَلا يُرفَعُ لَهُ دُعَاءٌ، وَلا يُسْمَعُ لَهُ نِدَاءٌ، وَلِذَا يُخَاطِبُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِقَوْلِهِ: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم[()، فَأَيُّمَا عَبْدٍ تَابَ ثُمَّ نَقَضَ تَوْبَتَهُ وَعَادَ إِلَى الذَّنْبِ فَلْيَعُدْ إِلَى التَّوبَةِ مُبَادِرًا، وَلا تَيْأَسْ  - أَخِي المُسلِمَ - وَلا تَقْنَطْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَإِيَّاكَ أَنْ يَمنَعَـكَ الشَّيطَانُ مِنَ التَّوبَةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلْتَتَذَكَّرْ قَولَ اللهِ تَعَالَى: ]ومن يعمل سوءا او يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما[().
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ عَلَى التَّائِبِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُحَقِّقَ تَوْبَتَهُ وَإِنَابَتَهُ بِاستِغْفَارٍ نَابِعٍ مِنْ قَلْبِهِ، يُشَارِكُ اللِّسَانَ فِيهِ سَائِرُ جَوَارِحِهِ، كَأَنْ يَقُولَ:" اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ"، وَوَرَدَ فِي الحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ ρ أَنَّهُ قَالَ: ((مَا مِنْ عَبْدٍ مُسلِمٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَستَغْفِرُ اللهَ لِذَلِكَ الذَّنْبِ، إِلاَّ غَفَرَ اللهُ لَهُ)) رواه احمد في مسنده و قال صحيح الاسناد، ثُمَّ إِنَّ عَلَى التَّائِبِ أَنْ يَنْدَمَ نَدَمًا يَجْعَلُ القَلْبَ مُنْكَسِرًا، وَالفُؤَادَ مُتَحَسِّرًا، عَلَى وَقْتٍ عَزِيزٍ كَانَ مِنَ الوَاجِبِ أَنْ يُصْرَفَ فِي عَمَلٍ صَالِحٍ يُرْضِي اللهَ، فَلْيَعْزِمْ عَزْمًا أَكِيدًا عَلَى أَلاَّ يَعُودَ إِلَى الذَّنْبِ الَّذِي أَوقَعَهُ فِي هَذِهِ الخَسَارَةِ، وَلْيُؤَنِّبْ نَفْسَهُ عَلَى التَّفْرِيطِ وَالإِضَاعَةِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِذَنْبِهِ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللهِ تَعَالَى فَلْيَنْظُرْ فِيمَا يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ تَكْفِيرٍ، وَلْيُعِدِ الحُقُوقَ إِلَى أَصْحَابِهَا إِنْ كَانَ ذَنْبُهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ حُقُوقِ العِبَادِ، وَإِنَّ مِنْ تَمَامِ التَّوبَةِ أَنْ يَأْتِيَ المُسلِمُ مِنَ الحَسَنَاتِ مَا يَمْحُو سَيِّـئَتَهُ الَّتِي قَارَفَهَا، فَقَدْ قَالَ المَولَى جَلَّ وَعَلا: ] و أقم الصلاه طرفيِ النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكري للذاكرين[()، ، وَفِي وَصِيَّةِ نَبِيِّنَا ص لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: ((اتَّقِ اللهَ حَيثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّـئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)).
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
اعلَمُوا أَنَّ مَنْ تَابَ إِلَى اللهِ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَبَادِرُوا إِلى التَّوْبَةِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهَنِيئًا لِمَنْ أَحْسَنَ التَّوبَةَ وَالإِنَابَةَ، ] يا أيها الذين امنوا توبوا إالى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يرحمكم أن يكفر عنكم سيئاتكم و يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزى اللهُ النبي و الذين أمنوا معه, نورهم يسعى بين أيديهم و بأيمانهم يقولون ربنآ اتمم لنا نورنا و أغفر لنا, إنك على كل شيئ قدير [(). وقال الشاعر:
أنا العبد الذي كسب الذنوب.. وصدته الأماني أن يتوبا
أنا العبد الذي أضحي حزينا ... .علي زلاته قلقا كئيبا
أنا العبد المسيئ عصيت سرا..فمالي الآن لا أبدي النحيبا
أنا العبد المفرط ضاع عمري.. فلم أرعي الشبيبة والمشيبا
أنا العبد الغريق بلج بحر . . أصيح لربما ألقي مجيبا

أنا العبد السقيم من الخطايا.. وقد أقبلت ألتمس الطبيبا
أنا العبد الشريد ظلمت نفسي.. وقد وافيت بابكم منيبا
أنا العبد الفقير مددت كفي.. إليكم فادفعوا عني الخطوبا
أنا الغدار كم عاهدت عهدا..وكنت على الوفاءِ به كذوبا

أنا المقطوع فارحمني وصلني ..ويسر لي منك فرجا قريبا
أنا المضطر أرجو منك عفوا ..ومن يرجو رضاك فلن يخيبا
فيا أسفي علي عمر تقضى. .ولم أكسب به إلا الذنوبا
و يا حزناه من حشري ونشري. .بيوم يجعل الولدان شيبا

تفطرت السماء به و مارت. .و أصبحت الجبال به كثيبا
و يا خجلاه من قبح اكتسابي..إذا ما أبدت الصحف العيوبا
و ذلة موقف وحساب عدل . . أكون به على نفسي حسيبا

و يا حذراه من نار تلظي . . إذا زفرت و أقلقت القلوبا
تكاد إذا تنشق غيظا . . على من كان ظلاًما مريبا
فيا من مد في كسب الخطايا .. أما آن الأوان لأن تتوبا


أقولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  

*** *** ***
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، فَتَحَ بَابَ تَوْبَتِهِ لِلتَّائِبِينَ، وَأَسْبَلَ سِتْرَهُ عَلَى العَاصِينَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَأَفْضَلُ المُخْبِتِينَ التَّائِبِينَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ عَلَى العَبْدِ المُؤْمِنِ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ إِغْرَاءَاتِ الشَّيْطَانِ وَتَسْوِيلاتِهِ مَوقِفَ المُمَانِعِ الرَّافِضِ، وَمَا يُؤْتَى الإِنْسَانُ مِنْ مَأْتًى أَضْعَفَ مِنْ شَهْوَتِهِ، فَلْيَحْرِصْ عَلَى إِغْنَائِهَا بِالحَلالِ، فَفِيمَا أَغْنَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَهُ بِالحَلالِ سَعَةٌ عَمَّا حَرَّمَ، وَشَأْنُ المُسلِمِ إِذَا أَخْطَأَ أَلاَّ يَتَمَادَى فِي خَطَئِهِ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى مَحْوِ سَيِّئَتِهِ بِالتَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ إِلَى رَبِّهِ، هَكَذَا يَكُونُ حَالُهُ إِذَا مَا أَوقَعَتْهُ نَفْسُهُ الأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ فِي المَعْصِيَةِ، فَلْيَدفَعْ سَيِّئَتَهُ بِتَوْبَةٍ صَادِقَةٍ، وَلْيَأْتِ مِنَ الحَسَنَاتِ مَا يَرَى أَنَّهُ مُكَفِّرٌ لِخَطِيئَتِهِ، وَمَاحٍ لِسَيِّئَتِهِ، فَمَنْ كَانَ فِيهِ مُسْكَةٌ مِنْ عَقْلٍ فَلْيَحْرِصْ عَلَى التَّوْبَةِ وَالاستِغْفَارِ، وَلَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ وُقُوعُ الخَطَايَا وَالسَّيِّـئَاتِ؛ عَسَى المَولَى تَعَالَى أَنْ يَتَقَبَّـلَهُ بِقَبُولٍ حَسَنٍ.

أَيُّها المُؤمِنُونَ:
إِنَّ مِنْ أَدَبِ التَّائِبِ مَعَ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَقَدْ لَطَفَ بِهِ فَأَسْبَلَ عَلَيْهِ سِتْرَهُ - أَلاَّ يَهتِكَ ذَلِكَ السِّـتْرَ الَّذِي أَسْبَلَهُ عَلَيْهِ المَولَى عَزَّ وَجَلَّ، فَيُصْبِحَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ بِمَا قَارَفَهُ مِنَ المُوبِقَاتِ كَأَنَّمَا هُوَ آمِنٌ مِنْ وُقُوعِ العُقُوبَةِ عَلَيْهِ، بِحَسْبِهِ مِنَ الشَّرِّ وُقُوعُهُ فِي المَعْصِيَةِ؛ فَمَا بَالُهُ يُبْدِي صَفْحَتَهُ لِلنَّاسِ؟! وَفِي الحَدِيثِ عن عبدالله بن عمر عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: ((اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها ، فمن ألّمَ بشيءٍ منها فليستتر بستر الله ، و لِيتُب إلى الله ، فإِنه من يُبدِ لنا صَفحتهْ ، نُقِم عليه كتاب الله)) اخرجه الالباني في صحيح الجامع قال حكمه حديث صحيح، أَيْ: لِتَكُنْ تَوْبَتُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، لا يُحَدِّثْ أَحَدًا بِمَا وَقَعَ مِنْهُ، وَهَكَذَا مَنْ عَلِمَ أَنَّ أَخَاهُ وَاقَعَ شَيْـئًا مِنَ الخَطَايَا، فَلْيَسْـتُرْ مَا بَلَغَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلا يَكُنْ عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيهِ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِنُصْحِهِ فِي السِّرِّ مَعَ كَتْمِ خَبَرِهِ عَنِ الإِشَاعَةِ، وَعَدَمِ فَضْحِ سِرِّهِ أَمَامَ الآخَرِينَ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ: ((مَنْ سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ)) و عن ابي هريرة انه قال قال رسول الله ص ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ، ثم يصبح وقد ستره الله ، فيقول : يا فلان ، عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه ، ويصبح يكشف ستر الله عنه)) رواه البخاري و مسلم.
فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ -، وَالزَمُوا التَّوْبَةَ وَالاستِغْفَارَ، وَأَنِيبُوا إِلَى العَزِيزِ الغَفَّارِ؛ تَجِدُوهُ خَيْرَ غَافِرٍ وَسَاتِرٍ، قال تعالى] وهو الذي يقبل التوبه عن عباده ويعفوا عن السيئات و يعلم ما تفعلون, و يستجيب الذين امنوا و عملوا الصالحاتِ ويزيدهم من فضله, و الكافرون لهم عذابٌ شديد [().
و اختم حديثي بقول الشاعر حيث قال:

إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني ..؟
وتُـخفي الذنبَ عن خلقيَ وبالعصيانِ تأتيني
فكيف أجيبُ يا ويحي ومن ذا سوف يحميني

أسُلي النفس بالآمالِ من حينٍ الى حيني ..
وأنسى ما وراءُ الموت ماذا بعد تكفيني

كأني قد ضّمنتُ العيش ليس الموت يأتيني
وجائت سكرة الموتُ الشديدة من سيحميني؟؟
نظرتُ الى الوُجوهِ أليـس منُهم من سيفدينـــي؟
سأُسأل ما الذي قدمت في دنياي ينجيني
فكيف إجابتي من بعد ما فرطت في ديني
ويا ويحي ألــــم أسمع كلام الله يدعوني؟؟
ألــــم أسمع لما قد جاء في قاف ويسِ
ألـــم أسمع بيوم الحشر يوم الجمع و الديني

ألـــم أسمع مُنادي الموت يدعوني يناديني
فيا ربــــاه عبدُ تــائبُ من ذا سيؤويني ؟
سوى رب غفور واسعُ للحقِ يهديني
أتيتُ إليكَ فارحمني وثقــّـل في موازيني
وخفَفَ في جزائي أنتَ أرجـى من يجازيني


هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزّ من قَائِل: (ان الله و ملائكته يصلون على النبي , يأيها الذين امنوا صلوا و سلموا عليه تسليما( ().
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاً طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ :
)إن الله يأمر بالعدل و لاإحسان إيتائِ ذي القربى و ينهى عن الفحشاء والمنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون (.   و اقم الصلاة



خطبه الجمعه مكتوبه بعنوان اول ليله في القبر




نسأل الله الثبات ليله نزول القبر و العرض ليوم الحساب

الخطبه الاولى:

الحمد لله رب العالمين‏.‏
‏{‏الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 1‏]‏‏.‏
‏{‏الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 1‏]‏‏.‏
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له‏.‏
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه ربه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا‏.‏
بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حتى أتاه اليقين‏.‏
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا‏.‏

فارقتُ موضعَ مرقدي ** يومًا ففارقني السكون
القبرُ أولُ ليلةٍ بالله قلي ما يكون
ليلتانِ اثنتان يجعلها كلُ مسلمٍ في مخيلته‏.‏
ليلةٌ وهو في بيته مع أطفاله وأهله‏.‏
منعمًا سعيدًا، في عيشٍ رغيد في صحة وعافية، يضاحكُ أطفاله ويضاحكونه‏.‏
والليلةُ التي تليها مباشرةً ليلةٌ أتاه الموت فوضع في القبر، أي ليلتين‏؟‏
ليلةٌ ثانيةٌ وضع في القبر لأولِ مرة، وذاك الشاعرُ العربيُ يقول‏:‏

فارقتُ موضعَ مرقدي ** يومًا ففارقني السكون

انتقلتُ من مكانٍ إلى مكان، وذهبتُ من موضع نومي في بيتي إلى بيتٍ آخر فما أتاني النوم‏.‏
فبالله كيف تكونُ الليلةُ الأولى في القبر‏؟‏
يومَ يوضعُ الإنسانُ فريدًا وحيدًا ، لا زوجةَ ولا أطفال ولا أنيس‏:‏
‏{‏ثم ردوا إلى اللهِ مولاهم الحق ألا لهُ الحكمُ وهو أسرع الحاسبين‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 62‏]‏‏.‏
أولُ ليلةٍ في القبر بكي منها العلماء، وشكا منها الحكماء، ورثى منها الشعراء، وصنفت فيها المصنفات‏.‏ أولُ ليلةٍ في القبر‏.‏
أُتيَ بأحد الصالحين وهو في سكراتِ الموت لدغته حية‏.‏
وكان في سفر، نسي أن يودع أمه وأباه وأطفالهُ وإخوانه، فقال قصيدةً يلفظُها مع أنفاسه هيَ أم المراثي العربيةِ في الشعر العربي‏.‏ يقولُ وهو يُزحفُ إلى القبر‏:‏

فلله دري يوم اُتركُ طائـعًا ** بنيَ بأعلى الرقمتينِ وداريا
يقولون لا تبعد وهم يدفنونني ** و أين مكانُ البعد إلا مكانـيا

يقول كيف أفارقُ أطفالي في لحظة‏؟‏
لماذا لا أستأذنُ أبوي‏؟‏
أهكذا تُختلسُ الحياة، أهكذا أذهب‏؟‏
أهكذا أفقدُ كل ممتلكاتي ومقدراتي في لحظة‏؟‏
ويقولُ عن نفسه‏:‏
يقولُ لي أصحابي واللذينَ يتولونَ دفني، لا تبعد أي لا أبعدك الله‏.‏
وأين مكانُ البعد إلا هذا المكان‏؟‏
وأين الوحشةُ إلا هذا المنقلب‏؟‏
وأين المكان المظلم إلا هذا المكان‏؟‏
فهل تصورَ متصورٌ هذا‏.‏
‏{‏حتى إذا جاء أحدهم الموتُ قال ربي ارجعون لعلي أعمل صالحًا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 100‏]‏‏.‏
كلا‍، آلان تراجع حساب ‍‍‍‍‍‍‍‍، آلان تتوب، آلان تنتهي عن المعاصي‏.‏
يا مدبرًا عن المساجد ما عرف الصلاة‏.‏
يا معرضًا عن القرآن يا متهتكًا لحدود الله‏.‏
يا ناشئًا في معاصي الله‏.‏
يا مقتحمًا لأسوار حرمها الله‏.‏
آلان تتوب، أين أنت قبل ذلك‏؟‏
أو ليلية في القبر‏.‏
من أراد مؤنسا فالله يكفيه* ومن أراد حجتا فالقران يكفيه*** ومن اراد واعظا فالموت يكفيه*** ومن أراد الغنا فالقناعة تكفيه*** ومن لم يكفيه شيئ من هذا فإن النار تكفيه.
قال مؤرخو الإسلام
مات الحسنُ ابن الحسنِ من أولادِ علي ابنَ أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ و أرضاه‏.‏
كان عنده زوجةٌ وأطفال‏.‏
كان في الشباب، والموتُ لا يستأذنُ شابًا ولا غنيًا ولا فقيرًا ولا أميرًا ولا ملكًا ولا وزيرًا ولا سلطانًا، الموتُ يقصمُ الظهور ويخرجُ الناسَ الدور وينزلهم من القصور ويسكنهم القبور بلا استئذان‏.‏
الحسن ابنُ الحسن مات فجأة، نقلوه إلى المقبرةِ‏.‏
فوجدت عليه امرأتُه وحزِنت حزنًا لا يعلمه إلا الله‏.‏
أخذت أطفالها وضربت خيمةًَ حول القبر‏.‏
وهذا ليس من عمل الإسلام ولولا أن مؤرخو الإسلام ذكروه ما ذكرته‏.‏
ضربت خيمةً حول القبر وأقسمت بالله لتبكينا هي و أطفالها على زوجِها سنةً كاملة‏.‏
هلعٌ عظيم وحزنٌ بائس‏.‏
وبقيت تبكي فلما وفت سنة أخذت إطناب الخيمةِ وحملتها و أخذت أطفالها في الليل‏.‏
فسمعت هاتفًا يقول لصاحبه في الليل‏:‏
هل وجدوا ما فقدوا‏؟‏ هل وجدوا ما فقدوا‏؟‏
فردَ عليه هاتفٌ آخر قال ‏:‏
لا، بل يئِسوا فانقلبوا‏.‏
ما وجدوا ما فقدوا، ما وجدوا ضعيتهم، ولا وديعتهم‏:‏

كنزُ بحلاون عند الله نطلبُه ** خير الودائعِ من خير المؤدينا

قال لا، بل يئِسوا فانقلبوا‏.‏
ما كلمَهم من القبر، ما خرج إليهم ولو في ليلةٍ واحدة، ما قبل أطفاله، ما رأى فتاته، لا‏.‏
ولذلك هذه هي أولُ ليلةٍ ولكن لها ليالي أخرى إذا أحسن العمل‏.‏
قال الله ـ جل وعز ـ ‏{‏والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإحسان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين‏}‏ ‏[‏الطور‏:‏ 21‏]‏‏.‏
أتى أبو العتاهية يقول لسلطانٍ من السلاطينِ غرتُه قصوره، وما تذكرَ أولَ ليلةٍ ينزل فيها القبر‏.‏
هذا السلطان بنى قصورًا في بغداد، فدخل عليه الشاعر يهنئه بالقصور يقول له‏:‏

عش ما بدا لك سالمًا في ظل شاهقةِ القصور
عش ما بدا لك سالمًا عش ألف سنة، عش مليون سنة سالمًا معافًا مشافًا‏.‏
يجري عليكَ بما أردتَ مع الغدوِ مع البكور

ما تريدُ من طعام، ما تريدُ من شراب هو عندك اسمع ماذا يقول‏:‏
فإذا النفوسُ تغرغرت بزفيرِ حشرجةِ الصدور** فهناك تعلمُ موقنًا ما كنت إلا في غُرور
فبكى السلطان حتى أغمي عليه‏:‏ فهناك تعلمُ موقنًا ما كنت إلا في غُرور‏.‏
أولُ ليلةٍ في القبر‏.‏
وأنا أطالبُ نفسي و إياكم يا معاشر المسلمين أن نهيئ لنا نورًا في القبر أولُ ليلة‏.‏
ووالله لا ينورُ لنا القبر إلا العملُ الصالحِ بعد الإيمان‏.‏
لنقدمَ لنا ما يؤنسُنا في القبر يوم ننقطعُ عن الأهل المال الولد والأصحاب‏.‏
خرج النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى تبوك‏:‏
وفي ليلةٍ من الليالي نامَ هوَ والصحابة، وكانوا في غزوةٍ في سبيل الله‏.‏
قال ابنُ مسعود ـ رضي الله عنه ـ و أرضاه‏:‏
قمتُ آخرَ الليل فنظرتُ إلى فراش الرسولِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم أجده في فراشه‏.‏
فوضعتُ كفي على فراشهِ فإذا هوَ بارد‏.‏
وذهبتُ إلى فراشِ أبي بكر فلم أجده على فراشه‏.‏
فالتفت إلى فراش عمر فما وجدته، قال وإذا بنورٍ في آخر المخيم وفي طرف المعسكر، فذهبتُ إلى ذلك النور ونظرتُ‏.‏ فإذا قبرٌ محفور، والرسولُ ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد نزلَ في القبر.‏

وإذا جنازةٌ معروضةٌ، وإذا ميتُ قد سجي في الأكفان‏.‏ وأبو بكرٍ وعمر حول الجنازة، والرسولُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول لأبي بكر وعمرَ دليا لي صاحَبكما‏.‏ فلما أنزلاهُ، نزلهُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في القبر، ثم دمعت عيناه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ثم التفتَ إلى القبلةِ ورفع يديه وقال‏:‏  (‏اللهم إني أمسيتُ عنه راضٍ فأرضَ عنه‏)‏، ‏(‏اللهم إني أمسيتُ عنه راضٍ فأرضَ عنه‏)‏‏.‏  قلت من هذا‏؟‏  قالوا‏:‏ هذا أخوك عبد الله ذو البجادين مات في أولِ الليل‏.‏ قال ابنُ مسعود ـ رضي الله عنه ـ فوددت واللهِ أني أنا الميت‏:‏ ‏(‏اللهم إني أمسيتُ عنه راضٍ فأرضَ عنه‏)‏‏.‏
وإذا رضي اللهُ عن العبدِ أسعده‏.‏
وإنما هي مسألةٌ لمن نسيَ اللهَ و أوامرَ الله وانتهكَ حدودَ الله‏.‏
نقولُ له هل تذكرتَ يا أخي أولُ ليلةٍ في القبر‏؟‏
كان عمر بن عبد العزيز أميرًا من أمراء الدولةِ الأموية، يغيرُ الثوبَ من حرير في اليومِ أكثرَ من مرة، الذهبُ والفضةُ عنده الخدم القصور، المطاعم المشارب كلَ ما اشتهى وكل ما طلبَ وكلَ ما تمنى‏.‏
ولما تولى الخلافة، مُلك الأمة الإسلامية انسلخَ من ذلك كلِه لأنه تذكرَ أولَ ليلةِ في القبر‏.‏
وقف على المنبرِ يوم الجمعةِ فبكى وقد بايعتهُ الأمة‏.‏
وحولَه الأمراء الوزراء والشعراء والعلماء وقادهَ الجيوش، فقال‏:‏
خذوا بيعتَكم‏.‏
قالوا ما نريدُ إلا أنت‏.‏
فتولاها فما مرَ عليه أسبوعٌ أو أقل إلا وقد هزُل، وضعف وتغير لونه ما عنده إلا ثوبٌ واحد‏.‏
قالوا لزوجتهِ مالِ عمرَ تغير‏؟‏
قالت واللهِ ما ينامُ الليل، والله إنه يأوي إلى فراشه فيتقلبُ كأنه ينامُ على الجمر ويقول‏:‏
آه توليت أمر أمةِ محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسألني يوم القيامةِ الفقير والمسكين والطفلُ والأرملة‏.‏
يقولُ له أحد العلماء يا أمير المؤمنين‏:‏
رأيناك قبل أن تتولى الملك وأنت في مكة في نعمةٍ وفي صحة وفي عافيه، فمالك تغيرت‏؟‏
فبكى حتى كادت أضلاعَه تختلف، ثم قال للعالم وهو ابن زياد‏:‏
كيف بك يا ابن زياد لو رأيتني في القبرِ بعد ثلاثةِ أيام‏.‏

يومَ أجرد من الثياب، وأوسد التراب، وأفارقُ الأحباب وأترك الأصحاب‏.‏
كيف لو لرأيتني بعد ثلاث والله لرأيت منظرًا يسوءك‏.‏
فنسأل اللهَ حسن العمل‏.‏
والله لو عاش الفتى في عمرهِ ** ألفًا من الأعوامِ مالكَ أمره
متنعمًا فيها بكــــلِ لذيذةٍ ** متلذذًا فيها بسكنى قصره
لا يعتريه الهمُ طول حـياته ** كلا ولا تردُ الهمومُ بصدره
ما كان ذلك كلُه في أن يفي ** فيها بأولِ لـــيلةٍ في قبره

واللهِ لو عاش ألف سنة، وما طرقَه همٌ ولا غم ولا حزن‏.‏
واللهِ لا يفي بأولِ ليلةٍ في القبر‏.‏
وواللهِ لننزلنَها جميعًا، فاستغفرو الله و اعدو لها ما استطعتم.
فيا عباد الله، أسألُ الله لي ولكم الثبات، ماذا أعددنا تلك الليلة‏؟‏

الموت باب وكل الناس داخله                *               فليت شعري بعد الباب ما الدار
الدار  جنة  عدن  إن  عملت                 *                بما  يرضي   الإله   وإلا  فالنار
هما  محلان  ما للناس  غيرهما             *                فانظر لنفسك  ماذا  أنت تختار

يقول رسولُنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏القبرُ روضةٌ من رياض الجنةِ أو حفرةٌ من حُفرُ النار‏)‏‏.‏
كان عثمانُ بنُ عفانُ الخليفةَ ـ رضي الله عنه ـ إذا شيعَ جنازة بكى حتى يغمى عليه فيحملونَه إلى بيتهِ كالجنازة إلى بيته‏.‏
قالوا مالك‏؟‏ قال سمعتُ الرسولَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏ يقول القبرُ أولُ منازلِ الآخرة فإذا نجا العبدُ فيه أفلح وسعد، وإذا خسرَ ـ والعياذُ بالله خسرَـ أخرتَه كلها‏)‏‏.‏
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين‏.‏
فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم‏.‏


الخطبه الثانيه

والحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوانا إلا على الظالمين‏.‏
والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا‏.‏

أتيتُ القبورَ فناديتُها ** أين المعظمُ والمحتقر‏؟‏
تفانوا جميعًا فما مخــبرٌ ** وماتُوا جميعًا ومـــات الخبر
فيا سائلي عن أناسٍ مضوا ** أما لك في ما مــضى معتبر
تروحُ وتغدو بناتُ الثرى ** فتمـــحو محاسنَ تلك الصور

أريت قبرًا ميز عن قبر‏؟‏
أأنزل الملكُ في قبرٍ من ذهبٍ أو فضة‏؟‏
والله لقد ترك ملكَهُ وقصوره وجيشهُ وكلَ ما يملك، ولبسَ قطعةً من القماش كما نلبس واُنزل التراب‏.‏

ولدتك أمك باكيًا مــستصرخًا ** والناس حولك يضحكـون سرورًا
فأعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا ** في يوم موتك ضاحكًا مــسرورًا

لكن كثيرًا من الناس علموا بالقبر، وأول ليلة في القبر فأحسنوا العمل، ولذلك متهيئون دائمًا‏.‏ يريدون الله والدار الآخرة، ثبتهم الله في الليلِ والنهار‏.‏ 

فاعمل لدار غد رضوان خازنها ** الجار أحمد والرحمن بانيها
قصورها ذهب والمسـك طينتها** والزعفران حشيش نابت فيها

يا إخوتي في الله‏:‏
يا شيخًا كبيرًا احدودب ظهرُه ودنى أجلُه، هل أعددت لأولِ ليلة‏؟‏
يا شابًا قويًا متنعمًا غره الشباب والمالُ والفراغ هل أعددت لأولِ ليلة‏؟‏
إنها أولُ الليالي‏:‏
وإنها إما أولُ ليلةٍ من ليالي الجنةِ‏.‏
أو أولُ ليلةٍ من ليالي النار‏.‏
عباد الله
صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه‏.‏
وصلوا على أصحابه، وترضوا على أحبابه‏.‏
أسأل الله لي ولكم الرضوان، والسعادة في الدنيا والآخرة‏.‏
أسال الله أن يصلح ولاة الأمر، وأن يهديهم سواء السبيل‏.‏
أسأل الله أن يصلح شباب الإسلام، وأن يخرجهم من الظلمات إلى النور، وأن يكفر عنهم سيئاتهم‏.‏
وأن يهيئهم بعمل صالحًا لأول ليلة من ليالي القبر
أسأل أن يثبتَنا وإياكم بالقول الثابت‏.‏
ولا يظلم أبصارنا وبصائرنا‏.‏
ولا يجعلنا قومًا انحرفوا عن منهجِ الله واشتروا معاصي الله، وغفلوا عن آياتِ الله، فعموا وصَموا وضلوا وابتعدوا‏.‏ 
‏{‏سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 180‏:‏ 182‏]‏‏.‏
و اقم الصلاه

منقول من خطبه للشيخ عايض القرني